الانقسام العراقي كان واضحا في التعاطي مع “عيد الجيش” هذا العام .مقابل المحتفين والمشيدين به، تساءل البعض عن منجزات وبطولات هذا الجيش منذ تأسيسه حتى اليوم . وتحدثوا عما وصفوها بالانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها الحكومات العراقية قبل ٢٠٠٣، والتي كان الجيش أداة تنفيذها . يشير هؤلاء الى جرائم إبادة الكرد التي لا حصر لها، والحرب العراقية الايرانية وما رافقها من حالات سرقة ممتلكات وانتهاك أعراض عرب الاحواز والمحمرة ( خرمشهر)، وغزو الكويت وما رافقه من عمليات نهب وسلب، ثم قمع الانتفاضة الشعبانية العام ١٩٩١ وما جرى فيها من دفن الآلاف من الرجال وهم أحياء. مقاطع الفيديو الموثقة لهذه الجرائم التي كان يحتفظ بها النظام وانتشرت بعد سقوطه، تظهر حجم “الاستبسال” الذي كان يبديه الجندي العراقي في تعذيب أبناء جلدته، إرضاء للضباط الذين كانوا حكرا على فئة إجتماعية واحدة باستثناء القليل ممن تؤهلهم جرائمهم لنيل ثقة "الرفاق"
بهم .
بعض الكتاب إعتبر ان "أول وأكبر جريمة ارتكبها الجيش العراقي هي إطاحته بالنظام الملكي، وإدخال العراق في دوامة العنف والدم المتوالدة حتى يومنا هذا" .
في المقابل، أظهرت كتابات المحتفين بالجيش نوعين منهم، الاول: هم من إعتادوا التعامل العاطفي مع الامور، مأخذوين بعناوين عامة وشعارات وطنية لو دققوا في مصاديقها لغيروا الكثير من مواقفهم، والثاني : أصحاب مواقف سياسية مؤدلجة بالطائفية والقومية، والذين يرون الحرب ضد إيران محقة، وما إرتكبه الجيش العراقي فيها ليس سوى “بطولة”، وكذا ينظرون الى غزو الكويت مدافعين عن حماقة أتت على ما كان تبقى من عناصر قوة العراق . الاختلاف العميق بين العراقيين حول هذه الاحداث هو جزء من الهوة العميقة التي تفصل بين العراقيين اليوم والتي لم تقلص منها أنهم جميعا يشاركون في السلطة .
في الدول المحكومة من دكتاتوريات، يكون الجيش رهن مصلحة الحاكم وسياسته وأوامره التي هي ليست سوى “مصلحة الوطن” بعد ان يختزل الدكتاتور، الوطن بشخصه ورغباته، فيصبح الجيش وطنيا لانه أداة الحاكم، وجرائمه بحق الشعب والشعوب الاخرى، أعمالا بطولية يستحق عليها الاوسمة والنياشين و”أنواط الشجاعة” . هكذا كان الوضع قبل ٢٠٠٣، فهل تغير بعد هذا التاريخ ؟ الجواب :نعم فلا يمكن أن يستمر الجيش أداة بيد الحاكم لان الاخير لا يستمر في الحكم أساساً، لكن هل هو جيش بعقيدة وطنية حقيقية ؟. لكن كيف السبيل الى ذلك والوطن ذاته ليس محل إتفاق ؟ .
في ظل وطن ليس أكثر من كعكة بين المتحاصصين، لن يكون هناك جيش بل جيوش بعدد الطوائف، وحين الخطر يتصرف كل جزء من هذا الجيش حسب أوامر طائفته وليس قيادته العليا . ألم نشهد في سقوط الموصل تجسيدا لهذه الحقيقة ؟
مقالات اخرى للكاتب